بحث
مبادرة "غربال" اللبنانية.. لأنّه من حقّك أن تسأل وأن تعرف

في بيروت، التقت باميلا كسرواني مؤسس مبادرة "غربال"، أسعد ذبيان، للحديث مطوّلاً عن هذه المبادرة التي تهدف إلى المزيد من الشفافية والمحاسبة بفضل مناصرة حق الوصول إلى المعلومات العامة.

"نحن لسنا مركز دراسات ولسنا جمعية.. لم نجد التعريف المناسب بعد، إنما نقوم بتعبئة الفراغ في العلاقة بين الإدارة العامة والمواطن"، بهذه العبارة يحاول أسعد ذبيان تلخيص أو التعريف عن "غربال" عندما التقيته في مكاتب المبادرة في الأشرفية (بيروت، لبنان) حيث انضمّ  القط "ألتيكو" إلى محادثتنا. 

فتجمع مبادرة غربال بين العمل البحثي للحصول على كمّ هائل من البيانات والمعلومات العامة كما أنها تعرّف عن نفسها على موقعها على أنها شركة مدنية لا تبغى الربح (لاسيما أنها تعتمد على الهبات المالية). وعلى أرض الواقع، هي فريق عمل من خمسة أشخاص يعملون ما بين دوام كامل ودوام جزئي لجمع البيانات وتحويلها إلى مادة صورية سهلة متاحة لكل الناس.

كل شيء ولِد بعدما أقرّ مجلس النواب اللبناني قانون الحق في الوصول إلى المعلومات في شباط 2017. ونظراً إلى أن الهدف الأول يبقى، على حد قول ذبيان "أن يكون الحديث عن السياسة أو الإدارة العامة أو كل ما له علاقة بالبلد نابعاً من ثقافة معرفية ومن أرقام وبيانات، وليس مبنياً على المشاعر والعواطف والانقسامات.."، انطلق عمل "غربال" بداية 2018 للنظر بإمكانية تطبيق القانون أم لا.

فدعونا لا ننسى أن اسم المبادرة ليس اعتباطياً بل يعني غربلة الأشياء حيث يستعمل الغربال لفصل القمح عن الزوان. وهنا يقول ذبيان "نحن نقوم بذات الشيء، نحاول أن نفصل الحقائق والوقائع والأرقام عن كل ما هو مبهم".

فكان أول عمل لـ “غربال" تقريراً حول "قانون الحق في الوصول إلى المعلومات" رفع العديد من الملاحظات؛ أولها تمثّل بمفهوم الإدارة العامة. فكان على "غربال" أن تخلق خريطة لشكل إدارات الدولة في لبنان. من دون أن ننسى أن معظم الموظفين لم يحصلوا على التدريب حول هذا القانون حيث يخبرنا ذبيان "بعد 10 أشهر من نشره، لم يكونوا على علم به ولم يستلموا يوماً طلبات من هذا النوع.."

من أجل تنفيذ هذا التقرير، طلب "غربال" للحصول على المعلومات كان بسيطاً جداً "تحديد الموظف الذي تمّ تكليفه ليكون النقطة المحورية للمعلومات الإضافية، وما هو الموقع الالكتروني الخاص بكل إدارة أو البوابة التي تستخدم لنشر المعلومات".

بحسب ذبيان، خلُص التقرير إلى أنه "لا يمكننا تلوين الجميع بالفرشاة ذاتها. ليست كل الإدارات العامة فاشلة وليست جميعها سيئة، وليس جميع الموظفين سيئين.." ويشدد ذبيان على أن الاكتشاف الثاني كان أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على المواطنين، وخصوصاً ما يسمى بالمجتمع المدني شارحاً "لا يمكنك أن تسعى، طوال سنوات، للحصول على قانون يكرّس حق الوصول الى المعلومات. وعند إقراره، يبقى سنة كاملة ولا يتقدم أي مواطن بطلب. كيف تعرفون أن القانون سارٍ ويعمل بشكل طبيعي؟"

هذا التقرير شكّل الانطلاقة وعمل "غربال" متواصل على الرغم من شحّ التمويل. فيعمل الفريق على دراسة حول الموازنة اللبنانية الجديدة أو مشروع آخر لإنشاء بوابة لكل المناقصات مع مختلف مؤسسات الدولة لشفافية أكبر في العلاقة بين القطاع العام والخاص، ومشاريع أخرى تنتظر سخاء الممولين.

بانتظار الأموال، لا يبقى فريق "غربال" مكتوف الأيدي كما رأينا. فهو قرر أن يغوص في أكثر القطاعات تعقيداً، البيانات. ويرى أن المهمة الأولى هي محاربة جهل المواطن بالقوانين. وهنا يشرح لنا ذبيان أنهم يعملون على تبسيط القوانين للناس من خلال إصدار إرشادات، على شكل اشرطة فيديو متحركة أو كتيّبات.

فعلى سبيل المثال، يذكر ذبيان النقاش الكبير جداً حول عدد الموظفين في القطاع العام ويقول "تمكّنا من الحصول على الأرقام ونحن بصدد تنظيمها بصرياً لنشرها للناس ليعرفوا عدد الموظفين في كل إدارة".

ويبقى شعار "غربال" ساعدنا، تنساعدك" لاسيما أن جمع البيانات يحتاج إلى تضافر الجهود بين مختلف الجهات. فهم يريدون لقاء الإدارات العامة في منتصف الطريق والتعاون معها كما يريدون مساعدة كل مواطن على أن يعرف حقه وكيفية تقديم الطلبات للوصول إلى المعلومات.

في أشهر قليلة، تحوّلت "غربال" إلى مرجع أساسي في عالم البيانات العامة. من جهة، بنت علاقات جيدة مع مؤسسات الدولة مثل مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ومن جهة أخرى مع المواطنين. وهنا يخبرنا ذبيان أن طلبات هؤلاء عشوائية جداً، من معلومات عن مشروع تمرير مياه المجارير إلى مشروع في مجال الألواح الشمسية….

الحق بالوصول إلى المعلومات إذاً بات أحد حقوق المواطن اللبناني ويدعو ذبيان المواطنين والمواطنين إلى استخدام القانون قائلاً "اسألوا عن أي شيء. إذا لم يقوموا بتزفيت الطريق في قريتكم لأنهم لا يملكون المال! طالبوا البلدية موازنة الخمس سنوات الاخيرة وقارنوا ما إذا كانوا يملكون الأموال أم لا(..)إذا لم تكن مهتماً بأموالك العامة، من سيهتم!".

ففي النهاية، الأهم هو الغربلة لنعرف الفرق بين الإدارة الجيدة والسيئة لئلا نبقى مكتوفي الأيدي حيث يشدد ذبيان "هناك قانون لم يستخدمه أحد، فلماذا وضعناه؟ وان لم نقم باختباره كيف يمكننا أن نرى فعاليته؟ ونحن الآن تخطينا حق الوصول للمعلومات" وحان الوقت لاستخدامه من أجل المساءلة والشفافية.