بحث
"أحب نفسك"، مبادرة لإخفاء تشوهات الجسم برسم الوشم

"الناس كلها مبهوره بالرسمه والتحول يا شنوده. أنا مبسوطه أوي أوي دلوقتي بقيت أوري صور جروحي عادي مش هاممني. أوريها قبل عشان فيه بعد حلو كدا، بجد مش عارف اقولك اه".

"أنا فعلاً مش عارفه أوصفلك فرحتي بالتاتو ولا فرحتي بأني عرفتك إنت شخص جميل أوي وأنا حقيقي بقيت ببص على الجرح مش مصدقه نفسي إني مش هشوف الجرح ده تاني. أنا فعلا مقدرش أتمنالك غير كل حاجه حلوه".

هذه بعض من الرسائل التي يتلقاها شنودة عبد الملاك كلما أنجز رسم تاتو لأحد زبائنه؛ رسائل شاركنا بها على الواتساب وفضّل، بالطبع، عدم الكشف عن هوية هؤلاء حفاظاً على خصوصيتهم.

فمنذ إطلاق المبادرة، قبل بضعة أشهر، ساعد شنودة 20 شخصاً تقريباً أو أكثر. ويخبرنا "هذه حالات أنهيت من العمل عليها، لأن هناك حالات بدأت بالعمل معها ولم أنته ِمنها حتى الآن. ويومياً يرسل لي، كحد أدنى، شخصان أو ثلاثة صور حروق أو جروح تعرضوا لها ويريدون تغطيتها".

نساء ورجال إنما الأغلبية من النساء. ويعود السبب، بحسب تقدير شنودة "نحن أيضا كشعب عربي، إذا كان لدى الرجل تشوه ما، لا يهمه الموضوع بقدر ما يهم المرأة. هذا يؤثر بشكل كبير على نفسيتها لأنها لا تستطيع ارتداء ما يحلو لها، بسبب "معايرتها بشكلها" والكلام الذي تسمعه من الناس".

مبادرة مستمرة ولن تتوقف "إلا إذا مت"، كما يقول شنودة الذي يعود بنا إلى الأسباب التي دفعته لإطلاقها. ويخبرنا أن فكرة مبادرة "أحب نفسك" ولدت لأن هناك أساساً أشخاص يأتون إله ويحملون آثار حروق وجروح وأشياء كثيرة ويريدون إخفاءها. ويتابع "لكنني لاحظت أن الكثير منهم يأخذون موعداً ولا يحضرون لأن إمكانياتهم المادية لا تسمح لهم بالقيام بذلك. تكرر هذا الموضوع مع عدة أشخاص".

حينها، قرر شنودة أن يساعد هؤلاء الذين لا يملكون الإمكانية المادية ليتخلصوا من أشياء تزعجهم نفسياَ في حياتهم. بالنسبة له، حياة هؤلاء انقلبت رأساً على عقب وهو يملك القدرة على تحسينها ولو قليلاً.

تطبيق "واتساب" أو صفحة شنودة على فيسبوك هي الوسيلة الأسهل والأكثر استعمالاً للتواصل حيث يخبرنا "يرسلون لنا صور الحروق أو الجروح أو أي تشوه يعانون منه، ونختار مع بعضنا الرسومات والألوان ونقوم بتحديد الموعد وبدء العمل".

ويلتقي شنودة بالعديد من القصص المؤثرة التي أراد أن يشاركنا بعضاً منها. فحضرت فتاة في الـ 16 من العمر مصابة بتشوهات في يديها ورجليها بسبب ضمور في الأعصاب وشلل أصيبت به في الصغر. ويتابع شنودة "كانت هذه الفتاة حزينة جداً لأنها لا تستطيع ارتداء الثياب القصيرة في المدرسة. وأنت تعلمين تنمر الناس والمجتمع الذي يرمقها بنظرات سيئة، والآن هي سعيدة جداً".

ويتابع حديثه عن فتاة أخرى في العقد العشرين من عمرها، كانت قد تعرضت لحادث انفجار في محول كهرباء كان سبّب مجال مغناطيسي في المكان وأدى إلى تشوه في رجليها. أما أخرى، فكانت تعرضت لحرق طال معظم جسده ما حال دون أن تذهب إلى المصيف أو أي مكان آخر. وهنا يقول "غطيّت لها كل الحروق والآن صارت تذهب إلى كل مكان بشكل عادي".

قصص كثيرة تسبب ألماً نفسياً وجسدياً يسعى شنودة من خلال رسم التاتو تقليل آثاره. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو تقبّل الناس للوشم لاسيما أن غالباً ما يرافق بنظرة سلبية في مجتمعاتنا؟ وهنا يجيبنا شنودة "الوشم بات مقبولاً بنسبة 70% مثلاً مقارنة بالسنوات السابقة. فقبل 10 سنوات، كان من يضع وشماً يتم وصفه بالمجنون أو المريض النفسي، وكانت هذه الظاهرة قليلة جداً". ويعود إلى قصته هو الذي حصل على وشم وهو في عمر الثامنة "أنا واحد من هؤلاء الأشخاص. فكنت منبوذاً من أشخاص كثر في الشارع. أما الآن، عندما أمشي في الشارع، من الممكن أن يسألني أحدهم عن الوشم وأين حصلت عليه ومن رسمه".

مع تطور النظرة إلى الوشم في مجتمعاتنا ومع التغييرات التي يلمسها شنودة في حياة الأشخاص الذين يساعدهم، مجاناً، يريد أن يطوّر الأمر أبعد من تواصل على شبكات التواصل الاجتماعي. فيطلعنا "أفكر بالذهاب إلى مستشفيات خاصة بالحروق، كمستشفى بلقيس هنا في مصر مثلاً، وأضع منشوراً هناك يقول بأن أي شخص يريد أن يرسم وشمًا يمكنه القدوم إليّ. أردت أن أجعل الفكرة عامة وليس خاصة. لا أنتظر من الناس أن تأتي وتسألني، أنا أذهب إليهم وأقول لهم تعالوا وارسموا على الحروق التي تعرضتم لها".

ولا شك أن هذه الضجة التي ترافق مبادرة شنودة جلبت له الكثير من الزبائن؛ أمر يستغلّه شنودة ليساعد، في المقابل، أكبر عدد من الناس المحتاجين.