بحث
"معانا لإنقاذ الإنسان" تريد ألا يبقى مشرداً في شوارع مصر

تحدثنا مع المصري محمد وحيد الذي جعل قضية المشردين مهمة حياته والذي أنشأ جمعية "معانا لإنقاذ الإنسان" التي أنقذ أكثر من 1000 مشرد من شوارع القاهرة.

انتابت الصدمة الشاب المصري محمود وحيد عندما كان يسير في أحد شوارع القاهرة للمشهد الذي رآه أمامه: رجل عجوز ينام في الشارع والدود يخرج من جسمه وكأنه يتحلل وهو حيّ، وكأنه جثة. كان ذلك عام 2014، ولم يشأ وحيد أن يترك الرجل مرمياً في الشارع وقرر مساعدته؛ مساعدة تبيّنت أنها ليست سهلة.

وهكذا بعد معاملات عدة وصعوبات جمّة، نجح في إيجاد مأوى للعم صالح البالغ من العمر 75 سنة والذي تحوّل إلى شرارة النور التي أعطت وحيد فكرة التحرّك لمساعدة الناس في الشارع. ويخبرنا "رأيت الحالة وحاولت مساعدتها ولم أجد كياناً في مصر يساعد المشردين. ومن هنا، قرّرت أن أطلق مبادرة خاصة بهم لتوفير حياة كريمة لهم".

حالة لم تكن الوحيدة التي صادفها وحيد لا بل يقول لنا: "وأنا أمشي في الشارع، بدأت أرى العديد من الحالات المشابهة ووجدت أعداداً كثيرة. أولاً، أخذت لهم مكاناً صغيراً سرعان ما امتلأ بالمشردين، فاستأجرت مكاناً أكبر. وبدأت العمل على التراخيص وبمساعدة مجموعة من الأصدقاء ومن خلال تبرعات فردية ومساهمة عدد من المتطوعين، أطلق مؤسسة "معانا لإنقاذ الإنسان" المرخصة عام 2016 التي ساعدت مئات الحالات وحتى ساهمنا في لم شمل عدد من المشردين بعائلاتهم التي لم يروها منذ سنوات".

عمّ سيد توفّي بعد ثمانية أشهر من إنقاذه إلا أن عمل وحيد تطوّر حيث افتتحت الجمعية ثلاثة دور إيواء في ثلاثة أحياء من القاهرة. وطوال هذه الفترة، ساعدت "معانا لإنقاذ الإنسان" أكثر من 1000 مشرد، ويطلعنا وحيد أن "معظمهم من كبار السن إضافة إلى الشباب وبعض النساء. ولكن نسبة الرجال في الشارع تصل إلى 70% مقابل 30% من النساء". أما عن أسباب تواجدهم في الشارع، فيقول وحيد إن معظم الشباب يعانون من أمراض نفسية مختلفة في حين أن المسنين انتهى بهم المطاف في الشارع "بسبب ظروف اقتصادية أو اهمال الأبناء أو مرض ألزهايمر أو الشيخوخة أو عدم وجود عائل لهم.."

كيف يقدمون لهم يد العون؟ سواء بإيوائهم في الدور أو بتقديم العلاجات لهم أو حتى بالمساهمة في إرجاع البعض منهم إلى أهاليهم، حيث نجحت المؤسسة حتى الآن بلم شمل 85 مشرداً مع أسرهم.

وهنا يخبرنا وحيد قصة الحجة فريد قائلاً "كانت مشردة في وسط البلد تبلغ من العمر 65 سنة. تجلس في مكانها ولا تتحرك على أمل أن تأتي ابنتها وتصحبها. طوال سنوات، لم تتحرك أو تغير مكانها. نجحنا في إقناعها على مرافقتنا، وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، توصلنا إلى بعض المعلومات ووجدنا ابنتها التي أصبحت بدورها جدة ولها أحفاد ولممّنا شملهما".

يساعد وحيد عدد من الشباب المتطوعين كما يدعمه الآلاف منهم على شبكات التواصل الاجتماعي حيث يساعدونه في الوصول إلى المشردين أو في توفير معلومات عنهم وعن أهاليهم. كما تضم "معانا لإنقاذ الإنسان" مجموعة من المشرفين والممرضين الذين يتابعون حالة النزلاء على مدار 24 ساعة حيث يتلقى النزلاء رعاية نفسية وطبية متخصصة.

جهود حثيثة غير أن الوضع بغاية الصعوبة. يكشف لنا وحيد "في مصر، لا توجد احصائيات ولا أرقام محددة ولكن الأعداد كبيرة جداً. والمشكلة الأخرى أنه لا توجد مؤسسات أو منظمات مدنية في مصر تساعد المشردين بلا مأوى. كنا نعمل بمفردنا إلى أن انضمت منظمة جديدة إلى القضية".

غياب الجهات المساعدة لشريحة من المجتمع تجد نفسها متروكة لمصيرها. ويشرح لنا وحيد "هذه الحالات ليست منبوذة ولكن العيش في الشارع يجعلك منبوذاً ويؤدي إلى مواجهة مشاكل كثيرة".

"رجال الشوارع" يرفضون يد العون الذي يقدمها وحيد أحياناً إلا أن هذا الأخير لا يستسلم لا بل يحاول مرة واثنين وثلاثة إلى أن يقنعهم في اصطحابهم إلى مأوى.

ففي نهاية المطاف، محمود وحيد مواطن مصري يحلم أن تصبح مصر خالية تماماً من المشردين، على حد قوله. ولتحقيق هذا الحلم، يريد افتتاح مركزاً كبيراً لإيوائهم وتقديم كل الخدمات الرئيسية لهم. وهو يواجه كل التحديات لاسيما غياب الإمكانيات لتقديم المأوى وتكبد تكاليف العلاجات الطبية.

ويبقى الحل الأكبر والأهم بالنسبة لوحيد "القضاء جذرياً على وجودهم في الشارع" متابعاً "نقوم بحملة توعية للأبناء والأهلي لاستقصاء المشكلة من جذورها لئلا يرمي أحد ذويه في الشارع".

محمود، "صانع الأمل 2018 [جائزة يمنحها محمد بن راشد سنوياً لأشخاص يحدثون فرقاً في المجتمعات العربية] سيخصص مبلغ الجائزة لتحقيق الحلم ويوجه رسالة للجميع "مصر بلد فيها خير كثير ويجب أن نقف مع بعضنا البعض ومساعدة كل مشرد بطريقة أو بأخرى لأن المطاف قد ينتهي بأي منا في الشارع. أنقذت حالات كانت ذي سلطة أو من أسر مهمة جداً".