بحث
"مرسى" الصحة الجنسية للجميع

داخل شقة في أحد مباني بدارو السكنية، اتخذت "مرسى" مركزاً لها حيث توفّر منذ أكثر من ثماني سنوات خدمات تدور حول الصحة الجنسية.

تصل إلى المركز، فلا أحد يسألك عن اسمك أو تفاصيل شخصية عن هويتك، بل مجرد رقم هاتفك المحمول للتأكد من الموعد الذي أخذته. حينها، تحضر فتاة شابة لتُرافقك إلى إحدى الغرف حيث تجري لك لفحصاً طوعياً ومجّانياً لفيروس نقص المناعة البشري (السيدا) وإذا أردت، فحصاً لأمراض أخرى منقولة جنسيا ًمثل التهاب الكبد "ب" و"س" والفحص الزهري مقابل مبلغ 16 دولار تقريباً. وتأتيك النتيجة بعد دقيقتين من الانتظار، لتُقرر على أثرها متابعة حياتك بشكل طبيعي إذا أتت النتيجة سلبية أو الحصول على الدعم والمشورة من المركز إذا كانت عكس ذلك.

يبقى الأهم في كل هذه العملية السرية وعدم الكشف عن الهوية للحرص على إرضاء الأفراد في بلدٍ ما زالت فيه التوعية والخدمات الشاملة الخاصة بالصحة الجنسية شبه معدومة. فكل شخص لديه رقم ملف فقط، إذ حتى رقم الهاتف يُحذف لاحقاً.

وخلال دردشتنا، تخبرنا أبو عباس أن هذه الجمعية انطلقت رسمياً عام 2011 لأن المدارس والجامعات لا توفّر التثقيف الجنسي أو القليل منه حيال الالتهابات المنقولة جنسياً وكيفية الوقاية منها. وتتابع "هناك أيضاً الوصمة والتمييز الذي يتعرض له الأشخاص الناشطين جنسياً خارج إطار الزواج إضافةً إلى غلاء الخدمات الطبية".

وخدمات "مرسى" التي انطلقت مع فحوصات طبية توسّعت إلى جلسات تثقيفية حول الصحة الجنسية توفّر لكل شخص على حدة إضافة إلى مشورة نفسية للأفراد بشكل عام وأخرى نفسية وغذائية مجانية للمتعايشين/ات مع فيروس السيدا. وهنا تشرح لنا أبو عباس "إذا تم تشخيص شخص بالسيدا، نساعده على إنشاء بدايات إيجابية جديدة حول كيفية التعامل مع هذا المرض والأعراض الجانبية الخاصة به، وكيف يتقبّل نفسه، وكيف يخبر شريكه وعائلته... هذا البرنامج يمتدّ على مدار ستة أشهر تقريباً".

وتفصح أبو عباس أن غالبية الأشخاص الذين يحصلون على العلاج والمشورة هم المتعايشين مع فيروس نقص المناعة. وتطلعنا، أنه بحسب احصائيات وزارة الصحة اللبنانية، هناك 2000 شخص مسجلين حالياً على أنهم يعانون من السيدا ويتلقون العلاج مشيرة "قبل ذلك، كان لدينا معدّل 100 حالة سنوياً، وصلت، السنة الماضية، إلى 200 شخص وقد يعود السبب إلى ازدياد التقارير حول هذا الموضوع".

وعلى مر السنوات، تكشف لنا أن أبرز التغييرات التي حصلت هي ازدياد عدد النساء اللواتي يقصدن المركز لاسيما أن عددهن كان قليل جداً في السابق. وتضيف أن غالباً ما تكون الفئة العمرية بين 18 و35 سنة.

ولكن، كيف تحفّز "مرسى" الناس على اللجوء إليها؟ هنا تجيبنا أبو عباس أنهم لجأوا إلى الشارع ووزعوا منشورات تحمل شعار "بلا حيا" في مختلف الأحياء التي غالباً ما يرتادها الشباب والشابات إضافة إلى إطلاق حملة من الفيديوهات التفسيرية ما يساعدهم على الانتشار والوصول إلى عدد أكبر من الناس. وتشدد أبو عباس أنه من خلال عملهم على الأرض وتنمية شبكة خاصة لهم وسمعة جيدة، نجحوا في الحصول على ثقة الناس في موضوع ما زال تابو في مجتمعاتنا.

وهنا تقول أبو عباس "مع أن الوضع تطوّر قليلاً، ما زلنا متأخرين. نحن كجمعية تعمل على الصحة الجنسية، موقعنا ضعيف جداً لأنه بمجرد كونك جمعية تتحدثين عن الجنس والجنسانية، فأنت هدف سهل جداً {للسلطات الأمنية وللأهل}" شارحة أن المركز لم يشأ أن يتّهم بترويج لنمط حياة أو عادات يرفضها المجتمع. وتضيف "بدأنا بالحديث عن الصحة الجنسية كثقافة جنسية. نخبر الناس أننا نستطيع يمكننا البدء بتوعية جنسية عن عمر ثلاث سنوات؛ وبحسب الفئة العمرية، تختلف الطريقة والمعلومات. هناك أشخاص يخافون أن تحفّز هذه التوعية أولادهم على ممارسة الجنس. لكننا نكشف لهم أن الدراسات تبرهن أن تعلم أولادهم عن الصحة الجنسية، يؤخر موعد العلاقة الأولى التي يقومون بها لأن الأطفال يدركون ما يدخلون إليه".

ترتكز "مرسى" على العلم والدلائل والأرقام في عملها وتولي اهتماماً كبيراً لاختيار الكلمات والمواضيع والأساليب التي لا تخدش أحد. فبدأت "مرسى" منذ العام الماضي تتواجد في المدارس (غالبيتها خاصة وفي العاصمة بيروت) لإطلاق حملات توعية تتناول مواضيع مختلفة بدءاً بالنظافة الشخصية.

الكثير يجب بذله من أجل توعية أفضل لأطفالنا وشبابنا حول الصحة الجنسية ولا بد من تضافر جهود مختلف مكوّنات المجتمع: الدولة في مختلف وزاراتها، المدارس والجامعات، المنظمات والجمعيات وبالطبع أولياء الأمور. ويبقى الأهم، على حد قول أبو عباس، "توقفنا عن إلقاء الأحكام على بعضنا البعض وعدم التدخل بحياة الآخرين الشخصية".