بحث
لا للعنف ضد المرأة في مصر

عندما انطلقت حملة "أنا أيضاً" عام 2007 على شبكات التواصل الاجتماعي كجزء من حملة التوعية العالمية ضد التحرش، لم يكن أحد يتوقّع أن تطلق العنان للعديد من قصص التحرش والعنف في المنطقة العربية.

حتى لو أن هذه الظاهرة لم تتطور كثيراً في دولنا إلا أنها كشفت الستار عن ظاهرة موجودة أصلاً وقلّما يجرؤ أحد التحدث عنها.

إلا أن بسنت مطاوي قررت عكس ذلك لا بل قررت أن تتصرّف. هذه الشابة المصرية البالغة 30 سنة لديها تاريخ طويل من العمل الاجتماعي في خدمة حقوق المرأة هي التي ولدت وكبرت في القاهرة. واتّبعت مطاوي مسارين جامعيين حيث حصلت على شهادة في الطب من جامعة عين شمس في القاهرة وماجستير في الصحة العامة من جامعة جون هوبكنز الأمريكية. وتخبرنا "ألجأ في أبحاثي إلى علم الأوبئة والأساليب الإحصائية للتوصل إلى سياسات مدعومة بالأدلة تخلق بيئات آمنة وصحية للمرأة".

مسيرة كانت دافعاً لإنشاء منظمة "إمكان" حيث كشفت لنا "كوني امرأة في مصر وكوني شهدت للعديد من قصص وعمليات التحرش لعبا دوراً كبيراً في ذلك. إضافة إلى أن كوني طبيبة وتجربتي المباشرة مع العديد من ضحايا العنف الأسري فتح عيناي على هذه القضية".

هكذا ولدت "إمكان" عام 2011 لتتطوّر أعمالها عبر السنوات. وتعرّف عنها مطاوي قائلة "هي منظمة شبابية تكرّس أعمالها لوضع حد للعنف ضد المرأة في مصر. وفي لبّ المهمة، تعبئة المجتمع لخلق تحوّل ثقافي وتمكين المرأة من خلال الوعي والتعليم ودعم الناجين".

وظلّت برامج "إمكان" مستمرة عبر كل هذه السنوات بفضل مجموعة من المتطوعين وشخصين يعملان بدوام كامل فيما مطاوي ما زالت، منذ التأسيس، تتولى منصب الرئيسة التنفيذية.

وإذا كان حضور المنظمة الشبابية نادراً على شبكات التواصل الاجتماعي إذ تعزو مطاوي ذلك إلى "الرغبة في البقاء حياديين وبعيداً عما يجري في البلاد بقدر المستطاع من أجل خدمة مهمتنا بشكل أفضل"، يبقى التواجد كبيراً على الأرض.

فترتكز "إمكان" على ثلاث مسارات أساسية. وتشرح لنا مطاوي أن المسار الأول هو توفير التدريب وإعادة التأهيل النفسية لضحايا العنف ثم إجراء ورش عمل تثقيفية للشباب والشابات حول التحرش الجنسي والمواقف منها. أما المسار الثالث، فيتضمن إطلاق حملات توعية حول موضوع العنف على أساس الجنس وتبعاته المدمرة.

وتواصل مطاوي قائلة "طوّرت المواد والبرامج التدريبية شخصياً بالتشاور مع خبراء في مجال الصحة العامة. ويتم استخدامها من قبل فريقنا والمتطوعين في مختلف الأنشطة وورش العمل التي ننظمها".

أما عن الأشخاص المستفيدين من هذه البرامج، فتطلعنا مطاوي أن غالبيتهم من النساء ما بين 18 و40 سنة ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية والاقتصادية الفقيرة في القاهرة والجيزة. كما أن "إمكان" توفر ورش عمل تثقيفية لأطفال النساء المعنفات. وتتابع مطاوي "حتى اليوم، ساعدت "إمكان" أكثر من 300 ضحية عنف على أساس الجنس". وفضّلت عدم الكشف عن هوية هؤلاء النساء أو الحديث عن قصصهنّ نظراً لحساسية الموضوع وللحفاظ على خصوصيتهنّ.

وطوال السنوات، تقول مطاوي إن عمل "إمكان" تطوّر من مبادرة شبابية صغيرة إلى منظمة ناضجة من خلال جهود ووقت المتطوعين المتفانين. وتضيف "لا يزال أمامنا طريق طويل لتحقيق أهدافنا والقضاء على العنف القائم على الجندر بشكل عام. ومع ذلك، قطعنا شوطًا طويلاً في تطوير برامج ومواد تدريبية متعددة للناجين من العنف وأيضًا إشراك الرجال، وخاصة الشباب، في عملنا".

طريق طويل محفوف بالتحديات إذ تخبرنا مطاوي أن المنظمة واجهت العديد من التحديات بسبب طبيعة عملها. ولعلّ أكبرها، بالنسبة إليها، هو التواصل واستبقاء الناجيات من العنف. وتشرح لنا "احتجنا إلى وقت طويل لتكتسب المنظمة ثقتهنّ وتبني علاقة وطيدة مع الضحايا" وتتابع "في عالمنا العربي، ما زلنا تفتقر إلى الجهود والاستراتيجيات المنهجية للحد من العنف القائم على الجنس وإعادة إدماج الناجين في المجتمع".

وفي رسالة توجهها للمرأة العربية، تقول مطاوي "أود أن أقتبس ماغي كون عندما قالت "قل ما في بالك حتى لو كان صوتك يهتز". غالباً ما يشكّل التحدث عن العنف تحدياً كبيراً وهناك العديد من الصور النمطية التي يجب على النساء مراعاتها قبل الإدلاء بشهادتها. ومع ذلك، فإن الكشف عن حجم المشكلة وتفكيك تلك المحظورات هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية لإنهاء هذا النوع من العنف الذي يعد عنصراً أساسياً في تحقيق المساواة بين الجنسين".