بحث
"سفرة"، فسحة أمل وأداة تمكين اللاجئات الفلسطينيات في لبنان

طالما انخرطت مريم الشعار في العمل الاجتماعي وطالما ارتبط اسمها بالمبادرات لتغيير أو تحسين الظروف الحياتية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فهي بدأت العمل في جمعية البرامج المستقلة الموجودة في تسع مخيمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان وكانت تابعة للأونروا إلى أن استقلت الجمعية عام 2002 وتحولت إلى "جمعية البرامج النسائية" التي ترأس الشعار فرعها في برج البراجنة.

مواصلة هذا العمل الاجتماعي تكلل قبل أربع سنوات بمشروع "سفرة" حيث تخبرنا الشعار "أجرت الأونروا وجمعيتنا دراسة عن اللاجئين الفلسطينيين وتحديداً اللاجئات، وطالت احتياجات النساء داخل المخيمات. فكانت النتيجة أن نسبة كبيرة منهنّ بحاجة إلى عمل، ويفضّلن العمل بما يتناسب مع مهاراتهنّ التعليمية، لاسيما أن أغلبهّن لسن متعلمات كثيرًا ولا يملكن شهادات".

وشاءت الصدف أن تلتقي الشعار بمؤسسة الجمعية الخيرية العربية "الفنار" التي كانت تسعى إلى دعم مشروع إنتاجي ذي استمرارية. وهكذا انطلق المشروع بدعم من "الفنار" وتدريب من "سوق الطيب". وهنا تشدد الشعار "كنا نحاول استهداف النساء الأكثر فقراً، كالأرامل والمطلقات من اللاجئات في مخيم برج البراجنة".

ونجحت "سفرة" في جذب النساء حيث تطلعنا الشعار "في بدايتنا، كنا 10 أشخاص فقط. والآن لدينا حوالي 28 سيدة، غالبيتهنّ فوق الثلاثين من العمر. ولكن الآن، لدينا أيضاً صبايا في العشرينيات من العمر كما توسع الفريق ليضم مديرة مطبخ، شيف أساسي، وعاملة نظافة أساسية تتواجد يومياً في المطبخ، ومؤخراً أحضرنا عامل توصيل من أجل الطلبيات".

"سفرة" كما يدلّ الاسم يحملنا إلى التفكير بالموائد العربية الغنية والكريمة من الأطباق والمأكولات اللبنانية والفلسطينية المتنوعة. وبالفعل، من أفضل من السيدات في نقل مهاراتهنّ في المطبخ العائلي ليستفيد منها العديد من الزبائن؟ فتخبرنا الشعار أن "سفرة" تلبي الطلبيات للمناسبات أو ورش العمل أو المعارض أو حتى للبيوت حيث تعدّ النساء الأطباق في مطبخ الجمعية المجهّز وفق أعلى معايير الجودة والنظافة. 

وهنا تخبرنا مهى هجاج البغدادي (42 سنة) التي درست الكمبيوتر لكنها انضمت إلى "سفرة" لمتابعة حبها للطبخ والأشغال اليدوية وهي الآن مديرة المطبخ "أنا مسؤولة عن التواصل مع الزبائن وتسعير الأطباق والإشراف على السيدات ومتابعة كل ما يتعلق بالمطبخ والطلبيات".

لا تكتفي "سفرة" بتلبية الطلبيات في مطبخها لا بل أطلقت أيضاً "شاحنة الغذاء" التي تنقلت في البقاع وبيروت، كما أنشأت حديقة زراعية عضوية على سطح الجمعية. فالأهم بالنسبة للشعار هو البحث وتنفيذ مشاريع بحسب الحاجة.

فـ"سفرة" التي انطلقت كمشروع لمساعدة السيدات الفلسطينيات تحوّل إلى أكثر من مطبخ حيث تخبرنا الشعار "تتسابق النساء للحضور إلى العمل. وحتى عندما لا يكون هناك عمل للجميع، يحضرن للالتقاء في المطبخ والدردشة وشرب القهوة. حتى أنهنّ يخرجن مع بعضهن البعض من دوننا كجمعية. خلقنا نوع من التنفس في ظل الوضع الصعب الذي تعاني منه المخيمات".

وبالفعل، تخبرنا مهى، مديرة المطبخ "زادت معرفتي بأمور عملية كثيرة كما تحسّنت المعيشة في المنزل لاسيما أن الظروف المادية والحياتية تحتّم على الزوجين العمل لتربية الأولاد. كما أصبحت شخصيتي أقوى بفعل تعاطيّي مع أشخاص من مختلف الانتماءات والوظائف".

من جهتها، وفاء خليل، هي أم لأربعة أولاد وبالغة من العمر 43 عاماً بدأت مع "سفرة" كمتطوعة لتنضم إلى المطبخ بعد دورة تدريبية. وتخبرنا "هذا المطبخ يعني لي الكثير لأنه منحني فرصة العمل والخروج من المنزل. كما فتح لي الأبواب لمساعدة أولادي. فبفضل راتبي، أعلّمهم بالجامعات" مضيفة "أصبحت امرأة عاملة لديها ثقة بنفسها. نشجع بعضنا البعض ونخرج من إطار المخيم الصغير الضيّق. أثبت أنني أستطيع أن أكون امرأة عاملة ناجحة زوجة وأم ناجحة".

أما غادة مصرية، (53 سنة)، وهي أم لأربعة أولاد وجدة لأربعة أحفاد، فتكشف لنا أنها سعيدة جداً قائلة "صار عندي شي أستفيد منه وأفيد غيري. ففي السابق، كان لدي الكثير من وقت الفراغ، والأمر تغيير كلياً منذ أن انضممت إلى أسرة "سفرة"".

بالفعل، هذه بعض من شهادات نساء تغيّرت حياتهنّ للأحسن، سواء على الصعيد المالي أو الشخصي أو الاجتماعي. ولا تريد الشعار أن تتوقف عند هذا الحد. فهي ترى أن الاستمرارية لا تزال ناقصة شارحةً "عندما نعمل على تمكين المرأة ضمن مشروع من ثلاثة إلى أربعة أشهر، هذه ليست باستمرارية. إذا أردت العمل مع المرأة فعليك العمل مع عائلتها، مع الأولاد والزوج والأب والأخ".

وترى أن الحل هو بناء مشاريع مبنية على دراسات وخطط واضحة. وفي ما يتعلق بـ"سفرة"، تقول "كثرة الحاجات تجعل وجود الأفكار أسهل. الآن نحن نمتلك مطبخ، ولكن في المخيمات لا نملك مطعماً للنساء. نفكّر في توسيع المطبخ وإضافة مكان للجلوس من أجل النساء اللواتي يلتزمن بيوتهن ويعانين من الاكتئاب لأنهن لا يخرجن بسبب عدم توفر المال والفرص للخروج" متابعة "يمكننا الاستفادة من المكان بجانب المطعم، لتقصده النساء بغية شرب كوب من القهوة أو أكل الحلويات للترويح عن نفسها".