بحث
رحلة مستحيلة؟ كيف تحول لاجئ سوري من طالب لجوء إلى طبيبٍ بالمملكة المتحدة

منذ خمس سنوات، هاجر طالب طب شاب من سوريا المُمزقة بفعل الحرب وهو لا يملك شيئًا سوى حقيبة سفر، متخليًا عن درجته الجامعية للبحث عن ملاذٍ آمنٍ خارج البلاد. وبعد قضاء فترتين قصيرتين في لبنان ومصر، وصل تيريج بريمو إلى بريطانيا وأتقن اللغة الإنجليزية وتخرج من أحد أفضل جامعات لندن وهو الآن طبيب مبتدئ في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.

 

تلك الرحلة المذهلة، من طالب لجوء إلى طبيب محترف، جذبت اهتمام عمدة لندن، صادق خان، الذي حضر حفل تخرج بريمو في لندن، ويأمل الشاب المتواضع ذو الـ27 عامًا أن تساعد إنجازاته في إلهام اللاجئين الآخرين.

 

وقال بريمو: "أعلم أنه لا توجد كلمات يمكن أن تصف الأعمال الوحشية التي مررنا بها. أعلم أنه أحيانًا لا يُسمح لنا أن نحلم حتى. ببساطة يمكن أن تكون الابتسامة مؤلمةً للوجه وموجعة للروح".

 

وأضاف قائلًا: "ورغم ذلك، رجاءً لا تفقدوا الأمل في أنفسكم. رجاءً لا تتخلوا عن أحلامكم. أنتم لستم مجرد أرقام ولن تكونوا كذلك أبدًا".

 

نشأ بريمو مع والدته أمينة وشقيقه بيشانج، الذي يكبره بتسعة أعوام، وشقيقته بيربانج، التي تكبره بستة أعوام، في المدينة السورية الصغيرة عفين، ثم لاحقًا في مدينة حلب، العاصمة التجارية لسوريا والتي تبعُد 60 كيلو مترًا جنوبًا.

 

وقال بريمو: "أن أصبح طبيبًا هو ما أردت فعله دومًا. بفضل حب أمي للتعليم والمعرفة، نشأت مدركًا أنه لا توجد حدود للأحلام والطموحات. أيضًا ساهمت دراسة أشقائي للطب من قبل في فتح عينيّ على هذا المجال الرائع".

 

 

 

دخول الجامعة في سن السابعة عشرة

 

ولأنه طالب نابغ، حصل بريمو على منحة جامعية وبدأ سنواته الدراسية الست للحصول على درجة الطب في جامعة حلب عام 2007 وهو في السابعة عشرة من عمره فقط. وفي منتصف عام 2012، تحولت ثورة سوريا إلى حرب أهلية عنيفة وتدهورت الأوضاع في المدينة بشكلٍ ملحوظ. كان بريمو على بعد 10 شهورٍ فقط من التخرج ليصبح طبيبًا، ولكنه لم يكن لديه خيار سوى الرحيل من سوريا في يوليو/تموز 2012.

 

وقال بريمو: "تحولت حلب من المظاهرات إلى النزاع المسلح. تصل إلى مرحلة حيث تشعر أن الوضع لم يعد آمنًا بالنسبة لك وللأشخاص الذين تهتم لأمرهم للبقاء. أن تترك كل شيء في الحال، لم يعد ذلك خيارًا، إنها حقيقة كان يجب علينا تقبلها كسوريين، بقلوبٍ مفطورةٍ".

 

ووصف بريمو "اللية السوداء" حينما حزم حياته كاملةً في حقيبةٍ واحدةٍ كانت صغيرة للغاية لكي تحمل كل الأشياء الثمينة بالنسبة له.

 

وقال بريمو: "غرفتي، طاولة الدراسة الخاصة بي، وسريري الدافئ. الأماكن التي تحمل أفضل ذكرياتي، الشوارع التي نشأت بها، حتى كل الصور التي التقطتها في حياتي، لم تكن هناك مساحةً لها. ولكن ما فطر قلبي حقًا في تلك الليلة هو أن حقيبتي لم تكن كبيرةً بما يكفي لحمل أي من الأشخاص الذين اهتم لأمرهم وأحبهم. أصدقائي الذين ما زلت أفتقدهم، وأفراد عائلتي الذين اعتدت اللجوء إليهم كلما لم يكن لدي مكان أذهب إليه".

 

وسافر بريمو إلى لبنان برًا وظل في العاصمة بيروت شهرًا، في محاولة لاتخاذ قرار بشأن ما سيفعله بعد ذلك. رحلت شقيقته ووالدته عن سوريا أيضًا، ولكن العائلة تفرقت واجتمعت في نهاية المطاف ببريطانيا، حيث كان يعيش شقيق تيريج بالفعل.

 

وقال بريمو: "كنت أعيش يومًا بيومٍ. أن تنفصل عن عائلتك وأن تُجرد من كل شيء امتلكته في الحال يمكن أن يكون أمرًا قاسيًا للغاية. تعود إلى حياة الإنسان البدائي حيث تسيطر عليك مخاوفك ورغبتك في النجاة".

 

وأضاف بريمو قائلًا: "لا تهتم بجودة طعامك، أو كيف كان نومك بالليل جيدًا. أي شيء متعلق بهويتك يضيع ويختفي".

 

وبعد قضاء شهر في لبنان، سافر بريمو إلى مصر لإعادة بدء دراساته الطبية. تقدم بريمو إلى 11 جامعةً، وعاش في القاهرة وطنطا والمنصورة خلال فترة شهدت اضطرابات شديدة في مصر.

 

وقال بريمو، التي شملت رحلته 4 بلدان و10 مدن و21 منزلًا : "كان أمرًا متعبًا. أحيانًا كنت لا أفرغ حقائبي لأنني كنت أعرف أنني قد أغادر قريبًا".

 

وأضاف قائلًا: "بالكاد كانت لدي حياة اجتماعية أو أي فرصة لاكتساب أصدقاء، وشعرت بالعزلة في مراحل عدةّ خلال رحلتي. عندما تغادر بلادك كلاجئ، تخسر كل شيء ثمين في حياتك في الحال، وتصل إلى بلد جديد ومجتمع جديد حيث يجب عليك أن تبدأ من جديد".

 

 

الانتقال

 

بعد عام من الإحباط، سافر بريمو إلى بريطانيا في يوليو/تموز 2013، إذ مُنح حق اللجوء بعد مرور شهر تقريبًا.

 

وقال بريمو: "في المملكة المتحدة، شعرت بالترحيب والحب، والأهم من ذلك، شعرت بالإيمان بي. على طول الطريق، كان هناك العديد من الأشخاص الذين نظروا إليّ في عينيّ وقالوا لي "نشعر بألمك". أحيانًا كل ما تحتاجه هو تربيت على كتفك أو ابتسامة. يمكنني فقط أن أشكر العديد من الأشخاص الذي كانوا متعاطفين معي واستمعوا لقصتي وساندوني".

 

وأضاف قائلًا: " عملت بجد لتحسين لغتي الإنجليزية. عندما كان يعمل أصدقائي ساعةً كنت أعمل ساعتين. وعندما كان أصدقائي يخرجون كنت أبقى في منزلي وأدرس".

 

وفي الوقت ذاته، كان بريمو عنيدًا في إصراره على إعادة بدء دراساته الطبية. إجمالًا، تقدم بريمو إلى 42 جامعةً في البحرين ومصر قبل أن تقبله جامعة سان جورج بلندن طالبًا بها، وتسمح له بالبدء من العام الثالث في درجة الطب التي تشمل خمس سنوات في بريطانيا.

 

وقال بريمو: "كان العالم يبتسم لي مرة أخرى ونمت زهرة أمل في حياتي مجددًا. ما زلت أتذكر مدى البهجة التي اعتدت الشعور بها في كل مرة أتلقى بريدًا إلكترونيًا من مكتب القبول بالجامعة. اعتدت أن أطلق عليه "بريد إلكتروني من السماء".

 

وأجرت جامعة سان جورج تقييمًا شاملًا للمنهج الطبي بجامعة حلب، واختبرت معرفة بريمو باللغة الإنجليزية والطب أيضًا، قبل أن يتمكن من استئناف دراساته في أغسطس/آب 2014.

 

وعمل بريمو بدوام جزئي كطبيب لسحب عينات الدم في مستشفى كرويدون بلندن ليوفر النفقات لنفسه، واندمج سريعًا مع زملائه الطلاب.

 

وقال بريمو: "اكتسب بعض الأصدقاء الرائعين على طول الطريق، ولكن كل شيء كان بمثابة تحدي. تعلم اللغة ليس سهلًا على الإطلاق".

 

وأضاف قائلًا: " في كل مرة سمعت فيها كلمةً جديدةً، سواء خلال محادثة أو في نص، كنت أبحث عنها وأكررها وأحاول أن أستخدمها بنفسي. يومًا بعد يومٍ تتعلم كلمات أكثر وعبارات أكثر وفي نهاية المطاف تتحسن في اللغة. كلما كانت لغتك الإنجليزية أفضل، كانت حياتك أسهل".

 

وبعد أن أصبح يتحدثها بطلاقة، تُعد الإنجليزية هي اللغة الثالثة لبريمو بعد الكردية والعربية، وتخرج في 20 يوليو/تموز 2017- بعد أربع سنوات من اليوم الذي تقدم فيه بطلب اللجوء إلى بريطانيا.

 

وقال بريمو: "كان أفضل يوم في حياتي حرفيًا. كل شيء عملت بجد من أجله، وكل الليالي التي اضطررت للسهر فيها للدراسة، وكل الأيام التي كنت قلقًا فيها من توقف تعليمي، وكل شيء مررت به، أجني ثماره أخيرًا".

 

وأضاف قائلًا: "أن تتحول من لحظة انعدام ثقة حيث تُرفع بصماتك إلى لحظة لا تكون موثوقًا بك فقط، بل مؤتمنًا على أرواح وصحة الناس أيضًا، يُعد شرفًا ومسؤولية كبيرة. أنا فخور للغاية".

 

والآن، يعمل بريمو طبيبًا مبتدئًا في مستشفى مقاطعة ستافورد شمالي إنجلترا. وبعد عامين من التدريب التأهيلي، يمكنه اختيار تخصص، والذي يأمل أن يكون إما جراحة الرضوض أو طب الطوارئ.

 

وقال بريمو: "أدرك كم يمكن أن يكون صادمًا أن تفقد كل شيء في الحال أثناء الحروب ومدى أهمية أن يكون هناك شخص ما متعاطفًا معك. يومًا ما سأعود بالتأكيد إلى الخط الأمامي وحيث يكون الألم، سأكون هناك".