بحث
التكنولوجيا الحديثة في خدمة المزارعين التونسيين

بدأت قصة "سيبكس" بلقاء مصادفة مع أحد المزارعين المسنّين. وهنا يخبرنا مستيري "طوال سنوات عديدة، كانت تونس تعاني من الجفاف ولم نفهم فعلاً جدية الوضع إلى اليوم الذي التقينا فيه بمزارع كبير في السن ونحن {مستيري وشركاؤه} في طريقنا إلى جنوب تونس. كان يائساً. توقفنا لنتحدث معه ونفهم سبب حزنه. ببساطة، الماء، لأنه لم يملك ما يكفي لزراعة أرضه وتغطية نفقات عائلته الأساسية". ويتابع "في تلك اللحظة، أدركنا أنه يجب أن نستثمر معرفتنا بالتكنولوجيا لتغيير الوضع" لاسيما أن تونس مهددة بفقدان 80٪ من مواردها المائية بحلول عام 2030.

أن تقرر تغيير الوضع شيء وأن تنفّذ أفكارك شيء آخر قد لا يكون بهذه السهولة. فاحتاج المشروع إلى ثلاثة سنوات من العمل والتفكير قبل أن يتبلور ويُطوّر منصته الذكية. فقبل كل شيء، "سيبكس" هي "عبارة عن منصة زراعية دقيقة متخصصة تشتمل على محطات للرصد مباشرة والتحكم الذكي بالمعدات في الحقول والمزارع لمساعدة 70 مليون مزارع في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على استخدام أفضل الموارد للحصول على أفضل إنتاج"، على حد قول مستيري.

فبالفعل، "سيبكس" تريد توفير حلول جذرية لمشاكل يواجهها المزارعون أينما كانوا وتحديداً في الأماكن حيث المياه نادرة لاسيما أن استنزاف الموارد المائية يشير إلى حروب اجتماعية مصغرة وأن ندرة هذا المنتج الأساسي لبقائنا هي في قلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويقول مستيري "ومن خلال الاستنتاجات الخطيرة، ولدت حلول "سيبكس" التقنية. نريد إحداث تأثير اجتماعي يجنبنا الصراع الاجتماعي في تونس وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

ولهذا السبب، يطلعنا مستيري أن الفريق طوّر حلاً يعتمد على ثلاثة ركائز.  أولاً، يسمح "التشغيل الآلي سيبكس" للمزارعين بوضع خطة للريّ وبلمسة زر واحدة يتم إرسالها إلى المحطات وتنفيذها تلقائيًا. ثانياً، يعتمد "نظام مراقبة سيبكس" على محطات المراقبة الإلكترونية التي تجمع البيانات من أجهزة الاستشعار وتوفرها للمزارع الذي سيكون قادراً على التعرف على رطوبة التربة والملوحة وقياسات الأرصاد الجوية. يتم إرسال جميع البيانات إلى النظام الأساسي للسحابية كما تتم معالجتها محليًا للتصرّف عند الحاجة. ثالثاً، تعمل الشركة على تطوير "منصة سيبكس السحابية" التي ستسمح للمزارعين بالاتصال بالخبراء ومشاركة بياناتهم معهم من أجل الحصول على النصيحة المناسبة.  وهنا يطلعنا مستيري "نريد بناء منصة تعاونية للزراعة على نطاق عالمي وسنركّز على الإدارة الأفضل للموارد من خلال تزويد جميع أصحاب المصلحة في الزراعة بأداة فعالة من أجل اتخاذ قرارات أفضل. كما ستوفر بيانات دقيقة في الوقت الحقيقي (DATA) حول المناطق وأنواع الزراعة والتربة من أجل تصحيح التوزيع السيئ للمياه على المستوى الإقليمي وبين مختلف المزارعين".

حلول متطورة لاسلكية تتكيف مع أي نوع من شبكات الاتصالات وتغطي حقول صغيرة أو كبيرة قد بدأت بجذب المزارعين لتطبيقها لاسيما أن إحدى المشاكل الرئيسية للزراعة اليوم هي نقص البيانات والقياسات. يشير مستيري "نعجز عن تحديد التحسينات إذا لم نملك البيانات. بالإجمال، تستطيع الزراعة الدقيقة توفير ما يصل إلى 60 % من الموارد المستخدمة بما فيها المياه والطاقة".

وعند السؤال ما إذا كانت هذه الحلول بمتناول جميع المزارعين؟ يجيب مستيري "نقدم حلًا فعالاً من حيث التكلفة للمزارع الصغيرة والكبيرة وننوي تحقيق عائد استثمار بنسبة 150٪ للمزارعين بعد عامين".  ويرى أنه من الضروري على القطاع الزراعي التونسي أن يركب الموجة التكنولوجية، بأي ثمن، وأن يبدأ في وضع حوافز لتشجيع استخدام التكنولوجيا في الزراعة.

فيحصي قطاع الزراعة 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد ويستهلك أكثر من 70٪ من موارده المائية. وهنا يرى مستيري أن الحكومة لديها دور كبير في رقمنة القطاع الزراعي مع العلم أن 80 ٪ من المزارعين هم صغار المزارعين. ويضيف "كما نحتاج إلى تشجيع العديد من المنظمات الدولية الحكومة والمزارعين بأموال للمساعدة في رقمنة هذا القطاع من أجل خلق استدامة أفضل".

ما زالت "سيبكس" تجمع التمويل والاستثمارات وتحصد الجوائز وتطوّر حلولها وأخرى جديدة حيث يخبرنا مستيري "نعمل على الذكاء الاصطناعي في الزراعة ولذلك، عملنا بجهد مع الخبراء والباحثين لبناء قواعد بيانات منظمة كبيرة للزراعة الدقيقة".

اهتمام "سيبكس" يأتي من الشعور بمسؤولية كل فرد في حسن استغلال الموارد المتوفرة لتمهيد الطريق للأجيال المقبلة. ويبقى أمل مستيري النهوض بالزراعة حيث يقول "هناك اهتمام كبير بالمزارعين الصغار ونريد تسليط الضوء على أن الزراعة قد تكون مهنة محتملة في المستقبل إذا طبقّنا التكنولوجيا وابتدعنا المزارع 3.0".